من: محمد أبو مليح
في نوفمبر الماضي قامت أوبك برفع إنتاجها من النفط على الرغم من أن الأسعار كانت في تراجع مستمر منذ بداية العام، وهو ما جعل السعر يواصل تراجعه ليصل إلى أقل من 45 دولارا للبرميل في أغسطس 2015، وذلك من 115 دولار للبرميل في أغسطس 2013، وحسب وكالة الطاقة الأمريكية فمن المتوقع أن يكون متوسط السعر خلال العام الحالي عند 49 دولارا للبرميل، و54 دولارا للبرميل في 2016.
** تطور أسعار النفط
هذا من جانب الأسعار وأوبك، وعلى الجانب الآخر وبنهاية يوليو 2015 انخفض عدد منصات استخراج النفط الأمريكية إلى 866 منصة من 1862 منصة بنهاية العام 2014 وبنسبة 53% أي إلى أقل من النصف، وهو ما عده البعض انتصارا لمجموعة "أوبك" والسعودية في الجولة الأولى بين منتجي النفط الصخري وعلى رأسهم أمريكا، ومنتجي النفط التقليدي وعلى رأسهم السعودية أكبر مصدري النفط في العالم.
إلا أنه وبالنظر إلى تلك الفترة نجد عددا من الأحداث التي برزت على الساحة ومنها، تجدد الأزمة اليونانية، وظهور مشاكل اقتصادية بالصين أكبر مستهلك للنفط في العالم، والحديث المتكرر عن رفع الفائدة الأمريكية، والحرب على اليمن والإرهاب في العالم العربي، والاتفاق النووي الإيراني، والحديث عن تقسيم العراق.
كل هذه الأحداث وسعت من الهوة وجعلت الأمور لا تقتصر على مجرد الحرب بين دولتين أو مجموعتين بل حولت الأمر إلى ما يشبه الحرب العالمية.
ويفصل لنا الخبير النفطي حجاج بوخضور هذه الجوانب فيقول: عندما ننظر إلى ما يسمى بأزمة النفط الحالية، لابد من أخذ عدد من الأمور في الحسبان، ومنها وضع الاقتصاد الأمريكي وضع الاقتصاد الأوروبي ووضع اقتصاد دولة الصين، والأحداث الجيوسياسية بالمنطقة العربية.
ويضيف بوخضور في مقابلة مع "معلومات مباشر" عبر الهاتف بالنسبة للصين فقد أعلنت الحكومة مؤخرا أنها وضعت استراتيجية تبدأ من العام 2016 مبنية على الحكمة والذكاء في إدارة اقتصادها، ومن خلال تلك الاستراتيجية يمكن استنتاج زيادة استخدامها للطاقة، وباعتبارها أكبر مستهلك للطافة في العالم يشير ذلك إلى إمكانية زيادة الطب على النفط، وبالتالي زيادة في أسعاره.
* تطور العرض والطلب على النفط
وعن الاقتصاد الأوربي فيرى بوخضور أن هناك مؤشرات على إمكانية انتقال الأزمة اليونانية والتي لم تحل بعد إلى عدد من الدول الأخرى في أوروبا، وهو ما يعني تدهور قيمة اليورو وبالتالي التأثير على قيمة الدولار بالانخفاض وهو ما يصحبه زيادة في أسعار النفط.
أما وعلى المستوى الأمريكي فيرى بوخضور أنه وكل فترة يلوح المركزي الأمريكي برفع سعر الفائدة، وبالتالي رفع سعر الدولار، وانخفاض أسعار النفط، إلا أنه ومع ذلك فهناك نقطة تخص النفط الأمريكي وهو تكلفة الإنتاج التي تعد من الأعلى في العالم، خاصة في جانب النفط الصخري، ويقابله في الجانب الآخر ما يميز منصات استخراج ذلك النوع من النفط عن مثيلاتها في النفط التقليدي، حيث يمكن إيقافها لفترة ثم إعادة تشغيليها بتكلفة بسيطة مقارنة بتلك المستخدمة في النفط التقليدي.
* تكلفة استخراج النفط في عدد من الدول
* الفارق بين طريقة استخراج النفط التقليدي والنفط الصخري
إلا أن الخبير النفطي وبعد كل ذلك يؤكد أن ارتفاع أسعار النفط الآن ليس في صالح أحد، حيث إنه ووسط الاقتصاديات المنهكة، فإن ارتفاع الأسعار يزيد الأمر سوءا، وهو ما يبرر به بوخضور قرار "أوبك" عدم تخفيض الإنتاج، حيث يشير إلى أن القرار لم يكن الهدف منه زيادة الأسعار أو انخفاضها، إنما الهدف منه هو دعم استقرار الاقتصاد بالمنطقة والعالم، وهو الهدف الرئيسي لأوبك من قرارتها، حيث تعمل المنظمة كرمانة الميزان في العالم، في الجزء الذي يخصها، وهو أسعار النفط.
وبقيت بذلك نقطتان الأولى وهي إيران وصلحها النووي، وما يتبعه من زيادة مرتقبة في الصادرات الإيرانية من النفط، وعن هذا يقول بوخضور: إيران لم تقلل من إنتاجها وقت الحصار، ولا من مبيعاتها، وإنما كانت تبيع الجزء المسموح به وفقا للأسعار العالمية، والجزء غير المسموح به في السوق السوداء، وهو ما كان يؤدي إلى الضغط على الأسعار، بينما وعندما تضخ كل مبيعاتها وفقا للأسعار العالمية، فهذا يؤدي إلى ضبط السعر أو ربما زيادته.
أما النقطة الأخيرة وهي تراجع أعداد منصات إنتاج النفط الأمريكية إلى ما يقرب النصف، وهل يمكن اعتبار ذلك مناورة من الشركات الأمريكية، خاصة مع ما أكده العديد من المختصين من أن الآلات المستخدمة في تلك المنصات يمكن إيقاف ثم تشغيلها بعد فترة دون خسائر على عكس المستخدمة في إنتاج النفط التقليدي، وبذلك توقف الشركات تلك المنصات حتى ارتفاع السعر ثم تعود لتشغيلها وبالتالي يحدث تذبذب بالأسعار، وهو ما لا يؤده الخبير النفطي، حيث يرى أن الأسعار لا تنخفض ولا ترتفع بناء على الإنتاج فقط، إنما يؤثر بها في الأساس الطلب فكلما كان السوق مستوعبا للكميات المنتجة فهذا يؤدي إلى ارتفاع السعر والعكس، مشيرا بذلك إلى أنه ربما وقت إعادة تشغيل تلك المنصات يكون قد تم ظهور إصلاحات اقتصادية حول العالم، مما يؤدي إلى عدم تأثر الأسعار، وهو ما ستضعه تلك الشركات نصب عينيها حينها.
وأوضح بوخضور أن من الأمور التي تتدخل في تحديد أسعار النفط كذلك، الأحداث الجيوسياسية بالمنطقة العربية، وحركة التطور في اقتصاديات الدول النامية، والتي كلما زادت بها الجوانب الصناعية كلما زاد طلبها على الطاقة، وبالتالي تتحرك معها الأسعار.
** تطور منصات استخراج النفط في العالم
وبذلك نخرج بأنه ليس فقط تراجع عدد المنصات ولا زيادة الصادرات الإيرانية ولا المناورات بين الدول داخل "أوبك" وخارجها هو المتحكم الرئيسي في حركة أسعار النفط، أنما هي شبكة عنكبوتية يوصل إلى بعضها البعض، ولا يمكن النظر إلى جانب منها فقط، إنما لابد من النظر إليها ككل متكامل.